في عالمنا العربي.. معركة مكافحة التغير المناخي تبدأ من مطابخ الأثرياء

فجر كل يوم، يتجه جرجس وليم، نحو منطقة جاردن سيتي بوسط العاصمة المصرية القاهرة لممارسة عمله اليومي في جمع القمامة من المنازل ومقالب النفايات، يبدو الأمر مختلفا إلى حد ما عن غيرها من المناطق، خاصة أن كثيرا من سكانها من ذوي الدخل المرتفع.

يتفاجأ وليم في كل مرة من حجم الطعام المهدر في أكياس القمامة؛ أطعمة وحلويات ومخبوزات وفواكه وغيرها فسدت قبل استهلاكها أو معظمها ما يزال صالحا للاستهلاك، إما بسبب أنماط المعيشة أو لشراء سكان المنطقة كميات تزيد عن احتياجاتهم.

يكشف مؤشر نفايات الطعام لعام 2021 الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة، عن العالم ينتج 931 مليون طن من نفايات الطعام كل عام، يأتي 569 طناً منها من المنازل. ويعزى الباقي إلى خدمات الطعام (244 مليون طن) وقطاعات التجزئة (118 مليون طن)، وأن متوسط نصيب الفرد عالمياً من بقايا الطعام يصل إلى 74 كيلوجراماً سنوياً.

وفي العالم العربي وصل مقدار الهدر إلى أكثر من 40 مليون طن، وفق تقرير برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP)، منها 9 ملايين طن في مصر، التي تأتي في صدارة الدول العربية من حيث هدر الطعام، يليها العراق بـ4.7 ملايين طن، ثم السودان 4.16 ملايين طن.

وتبلغ قيمة هدر الطعام في الجزائر 3.91 ملايين طن، والسعودية 3.59 ملايين طن، والمغرب 3.31 ملايين طن، واليمن 3.2 ملايين طن، وسوريا 1.7 مليون طن، وتونس 1.6 مليون طن، والأردن 939 ألف طن، والإمارات 923 ألف طن، ولبنان 717 ألف طن، وليبيا 513 ألف طن، وفلسطين 501 ألف طن، وعمان 470 ألف طن، وموريتانيا 450 ألف طن، والكويت 397 ألف طن، وقطر 267 ألف طن، والبحرين 216 ألف طن.

الدول العربية تتمتع بسمات فريدة من نوعها من ثقافتها ودينها وتاريخها وتنتج كميات كبيرة من نفايات الطعام خلال فترات قصيرة، حيث تظهر الأبحاث خلال شهر رمضان الكريم أن ما بين 25% إلى 50% من الطعام يُهدر، بحسب برنامج الأمم المتحدة للبيئة. 

وتعد أرقام هدر الطعام في غرب آسيا مقلقة حيث تشير التقديرات إلى أنها حوالي 34% من الطعام المقدم. (يقصد هنا الدول العربية بقارة آسيا فقط دون غيرها من بقية دول منطقة غرب آسيا). 

وتظهر الدراسات في المنطقة كمية كبيرة من نفايات الطعام المنزلية للفرد الواحد، حيث يتم توليد 100-150 كجم/ للفرد سنويا، وفقا لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة.

هدر الطعام في مصر

مصر هي أكثر الدول العربية إهدارا للطعام، وينفق المصريون نحو 200 مليار جنيه سنويا على الطعام، معظمها في المناطق ذات الدخل المرتفع، كما يستأثر شهر رمضان منها بنصيب الأسد بين باقي الشهور؛ حيث تنفق الأسرة المصرية 45% من دخلها على الطعام، ثلثه تقريبا في شهر رمضان وحده.

ويهدر المواطن الواحد سنويا في مصر نحو 73 كيلوجراما من الطعام.

وتضم مصر 6 أماكن رئيسية لجمع وفرز القمامة، تشمل 15 مايو، وطرة، ومنشية ناصر في محافظة القاهرة، والمعتمدية والبراجيل في الجيزة، وعزبة نوار في مدينة الخصوص بالقليوبية.

تعج منشية ناصر، التي ينقل جرجس وليم القمامة إليها، بأكوام هائلة من النفايات، الكثير منها طعام مهدر، لا يستفيد منه جامعو القمامة، على العكس من العبوات الحديدة أو البلاستيكية أو الزجاجية، التي يعاد تدويرها. يوضح: “الطعام الذي نجمعه من المناطق ذات الدخل المرتفع يكفي لسد جوع آلاف الأسر، لكننا لا نجد أمامنا سوى التخلص منه، هذه خسارة كبيرة”.

هدر الطعام في السعودية

وهدر الطعام في المملكة مثل مصر ينتج بصورة أكبر من منازل الأثرياء، لكن وفق عضو جمعية الاقتصاد في السعودية أحمد بن عبدالرحمن الجبير، ظاهرة الهدر غير قاصرة على الطبقات الغنية في المجتمع، بل تمتد لتشمل الطبقة الوسطى.

وقال الجبير في تصريحات صحفية، إن من أسباب الهدر الغذائي، إعداد أطعمة تزيد على حاجة الناس، وخاصة في الولائم المكلفة في مختلف المناسبات، حيث يتسابق عليها كثير من الناس، كما أن الإسراف والتبذير يزداد في شهر رمضان والأعياد ومناسبات الزواج، باعتقادهم أن الإسراف في إعداد هذه الولائم الكبيرة دليل على الكرم، والواقع أنّ هذه السلوكيات خاطئة. 

وفق الدراسات الأساسية للمملكة العربية السعودية التي أجرتها منظمة الحبوب السعودية في العام 2019 تصل مستويات فقدان وهدر الأغذية إلى حوالي 33% في جميع مراحل الإمدادات الغذائية.

وتهدر السعودية 3.59 ملايين طن، وهي الخامسة عربيا من حيث هدر الطعام. وبحسب دراسة ميدانية أعدتها المؤسسة العامة للحبوب ضمن برنامج التحول الوطني، فإن الفرد في المملكة يهدر ما يقارب من 184 كجم سنوياً.

وقال وزير البيئة والمياه والزراعة السعودي عبدالرحمن بن عبدالمحسن الفضلي، إن هدر الغذاء يكلف المملكة 40 مليار ريال سنوياً، فيما تبلغ نسبة الغذاء المهدر أكثر من 33%.

وأكدت وزارة البيئة السعودية أن شراء المنتجات الغذائية بكميات تزيد عن الحاجة وتخزينها لمدد طويلة يؤدي لفسادها أو انتهاء صلاحيتها ما يسهم في رفع أرقام الهدر الغذائي في المملكة، ويحرم الآخرين فرصة الاستفادة منها ويكلف الأسر والمنتجين الزراعيين عبئاً اقتصادياً لا طائل منه، مؤكدة على دور كل فرد في تحقيق الاستهلاك الواعي والمسؤول.

وكشف مدير البرنامج السعودي للحد من الفقد والهدر الغذائي زيد الشبانات المناطق “الأكثر إهدارا” في المملكة، قائلا إن العاصمة الرياض والمنطقة الغربية (التي تضم منطقتي مكة المكرمة والمدينة المنورة) الأكثر إهدارا للطعام في المملكة.

هدر الطعام في لبنان

وفي لبنان التي تهدر 717 ألف طن من الطعام، يعاني أكثر من 300 ألف مواطن من شحّ الغذاء. وتشير وزارة الشؤون الاجتماعية إلى أن هذه الفئة تعيش في فقر مدقع، وهي غير قادرة على تأمين الغذاء، وبالرغم من ذلك. كذا، تفيد أرقام صادرة عن منظمات المجتمع المدني، وبعض التقارير غير الرسمية، بأن هناك 44 ألف عائلة تعاني الفقر المدقع.

وقال المهندس الزراعي إيلي الشويري، من وحدة البرامج في منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة FAO، في تصريحات نقلها موقع الجيش اللبناني، إن جملة من العوامل المرتبطة بسلوك المستهلكين وضعف التواصل في مواضيع سلسلة التجهيز، تكمن وراء المستويات العليا من الخسائر الغذائية لدى مجتمعات الأثرياء. وفي هذا السياق، يخفق المستهلكون في التخطيط لتسوّقهم أو يسرفون في الشراء.

وأشار الشويري، إلى أنه من بين الحلول في مجال تعويض الخسائر الاقتصادية الناجمة عن فساد الطعام، تحويله إلى أعلاف للماشية، أو إعادة تدويره إلى مواد عضوية (أسمدة)، بدلاً من طمره في الأرض، والتسببّ بانبعاث غازات الميثان. ويشار إلى أن المجتمع المدني في لبنان تحرّك من خلال إنشاء “البنك اللبناني للغذاء” والذي يقوم بتجميع المتبقي في الفنادق والمطاعم، وتوزيعه على الفقراء.

هدر الطعام في المغرب

كشف تقرير مُؤشر هدر الأغذية في المغرب لعام 2021، الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة والمُنظّمة الشريكة “WARAP”،  أن 3.3 مليون طن من المواد الغذائية في المغرب لم تُتح الاستفادة منها، وانتهى بها المطاف في القمامة في 2019.

ووفقا للتقرير نفسه، فإن حصّة الفرد المغربي من إهدار الطّعام سنويا تصل إلى 91 في المائة، وأن ما يقارب 90 في المائة من الأسر المغربية تقوم بإهدار الأطعمة، لا سيما في شهر رمضان، إذ تشتري كمّيات كبيرة لا تستهلك منها سوى القليل.

وفي تصريحات نقلها موقع “سكاي نيوز”، أكد جواد بادح، الباحث في علم الاقتصاد بكلية الاقتصاد والتدبير التابعة لجامعة ابن طفيل بالقنطيرة (غرب أن “شراء كميات من الأطعمة تفوق احتياجات عدد أفراد الأسرة الواحدة، له تداعيات وخيمة على الأمن الغذائي للبلاد”.

وكشفت دراسة لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) ومركز دولي للدراسات الزراعية، صدرت في العام 2016 أن 54% من الأسر المغربية تبذر شهريا أغذية تتراوح قيمتها بين ستة دولارات و51 دولارا، وقالت 45% من الأسر المغربية إنها تبذر كميات من الطعام بنسب متفاوتة.

وقالت منظمة الفاو في دراستها المشتركة مع المركز الدولي للدراسات الزراعية المتقدمة في منطقة المتوسط بشأن الهدر الغذائي في المنطقة، إن 84.8% من الأسر المغربية -التي شاركت في استطلاع رأي أجرته الهيئتان- قالت إنها تبذر الطعام بشكل كبير في شهر رمضان، لأنها تشتري منه كميات كبيرة ولا تستهلك منها سوى القليل.

ويتركز أغلب الأطعمة التي تلقى في القمامة في أصناف الأغذية المصنوعة من الحبوب، مثلا الخبز ومنتجات المخابز والخضر والفواكه.

هدر الأثرياء عالميا

بشكل عام، يهدر الأثرياء حول العالم ضعف كمية الطعام التي يهدرها الأقل ثراءً، وهذا بناءً على بحث جديد، أوضح أنه عندما يتجاوز حاجز إنفاق الشخص 6.70 $ في اليوم؛ فإن معدل إهدار الطعام يتزايد بشكل سريع في البداية، ويشير مخطط الطعام إلى أن السعرات الحرارية تضاعفت منذ التقييم الأخير من 214 سعر حراري في 2015 إلى 527 سعر حراري مُهدَر كل يوم.

وفقا لبرنامج الأغذية العالمي، فإن حوالي ثلث الغذاء المنتج للاستهلاك الآدمي يتم هدره أو فقده، بخسارة مالية تقدر بحوالي 1 تريليون دولار أمريكي سنويًا، وتتفشى ظاهرة إهدار الغذاء وفقدانه في العالم، حيث يتم إنتاج غذاء لإطعام 7 مليار شخص في العالم، إلا أن هناك 811 مليون شخص حالياً ينامون جوعى كل ليلة.        

وأشار التقرير الصادر في سبتمبر 2021 إلى أن 28% من الأراضي الصالحة للزراعة في العالم تنتج الغذاء الذي يتم إهداره، بدلاً من إطعامه لهؤلاء المحتاجين، أما المياه المستخدمة في إنتاج الغذاء المهدر من الممكن أن يملأ بحيرة جنيف – التي تعد واحدة من أكبر البحيرات الأوروبية – ثلاث مرات. تخيل لو تم إعادة توجيه هذا القدر من المياه إلى الزراعة الفعالة.

كما أن الغذاء المهدر في دول العالم المتقدم يذهب إلى مدافن النفايات التي تنتج الغازات المسببة للاحتباس الحراري. ففي الواقع، يتسبب هدر الغذاء وفقده في انبعاث أكثر من 3 مليارات طن من هذه الغازات سنويًا.

وتعد هذه الغازات تمثل العامل الرئيسي في حدوث المشكلات المناخية، المؤثرة على موارد المياه، وزيادة نسبة التصحر والجفاف، وتفاقم عدم القدرة على التنبؤ وخطورة الظواهر الجوية. كل ذلك يتلف الزراعات، وزيادة ظاهرة الجوع، في العديد من أنحاء العالم.

وفقًا لدراسة أجراها مشروع Drawdown، إذا فكرنا في نفايات الطعام كدولة خاصة بها، ستكون ثالث أكبر منتج للغازات المسببة للاحتباس الحراري بعد الولايات المتحدة والصين. تشير دراسات أخرى إلى أنه يمكن القضاء على ما يصل إلى 11 في المائة من غازات الدفيئة إذا تم التخلص من نفايات الطعام.

يضيف نقل الطعام إلى انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، لكن نفايات الطعام التي تنتهي في مكب النفايات تطلق غاز الميثان، الذي شددت دراسة تدعمها الأمم المتحدة على ضرورة تقليل انبعاثاته الناتجة عن الأنشطة البشرية بنسبة تصل إلى 45%، وبالتالي المساعدة في الحفاظ على هدف 1.5 درجة مئوية بما يتماشى مع اتفاق باريس للمناخ.

نفايات الطعام وغاز الميثان

والميثان هو من الغازات الدفيئة القوية للغاية، وهو مسؤول عن حوالي 30 في المائة من الاحترار منذ حقبة ما قبل العصر الصناعي.

وتأتي معظم انبعاثات الميثان التي يتسبب فيها الإنسان من ثلاثة قطاعات: الوقود الأحفوري، مثل معالجة النفط والغاز؛ المكبات والنفايات؛ والزراعة، وتتعلق بشكل رئيسي بالثروة الحيوانية.

ويحدد “التقييم العالمي للميثان” فوائد تخفيف انبعاثات غاز الميثان، وهو مكون رئيسي في الضباب، وتشمل الفوائد الحيلولة دون حدوث حوالي 260 ألف حالة وفاة مبكرة و775 ألف زيارة للمستشفيات مرتبطة بالربو سنويا، بالإضافة إلى 25 مليون طن من خسائر المحاصيل.

وحتى مع تسبب جائحة كـوفيد-19 في تباطؤ اقتصادي عام 2020- مما حال دو ن تسجيل عام قياسي آخر من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون-، تُظهر بيانات من الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي بالولايات المتحدة (NOAA) أن كمية الميثان في الغلاف الجوي وصلت إلى مستويات قياسية العام الماضي.

وأكدت الدراسة أنه “يمكن للتدابير الإضافية التي لا تستهدف الميثان على وجه التحديد، مثل تقليل فقد الأغذية وهدرها، بالإضافة إلى التحول إلى الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة السكنية والتجارية، أن تقلل من انبعاثات الميثان بنسبة 15 في المائة بحلول عام 2030”.

وقالت إنجر آندرسون، المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة: “إن خفض الميثان هو أقوى وسيلة لإبطاء تغيّر المناخ على مدى السنوات الخمس وعشرين المقبلة، ويكمل الجهود اللازمة لتقليل ثاني أكسيد الكربون. والفوائد التي تعود على المجتمع والاقتصادات والبيئة عديدة وتفوق التكلفة بكثير”.