كيف يعاني المواطن المصري من آثار الوقود الأحفوري؟

كتبت- آلاء عمارة

اضطُرت ليلى سعيد*، وهي عائدة إلى بيتها الواقع في أحد أحياء القاهرة، لاستقلال سيارة من ميدان رمسيس الشهير بالازدحام والضجة طوال النهار، وفجأة شعرت باختناق شديد إثر تنفسها لكمية كبيرة من عوادم السيارات وكادت أن تفقد وعيها. 

 

قبل أن تفقد وعيها نجحت الفتاة العشرينية في الخروج من تلك المنطقة، إلا أن الموقف تكرر معها عدة مرات إلى أن قررت اتباع استراتيجية تقلل تعرضها لهذا الازدحام وتلك العوادم، وهي المشي بسرعة وعدم الوقوف بمجرد وصولها. لكن معاناة ليلى لم تتوقف عند هذا الحد. فالمركبات تملأ مصر، فوفقًا للبيانات الصادرة عن (CEIC)، قد بلغ عدد المركبات المسجلة في مصر عام 2019، نحو 8 مليون تقريباً.

 

ويصدر عن هذه الملايين من السيارات التي تملأ شوارع المحروسة انبعاثات الغازات الدفيئة المسببة للاحتباس الحراري، فتتأثر الحالة العامة للمناخ، وبناءً عليه تتأثر المعيشة والحياة الاجتماعية للمواطن المصري، حيث أشارت دراسة أجرتها الدكتورة رانيا رشدي موسى، ونُشرت في دورية “نيتشر” (Nature) في 28 فبراير 2022 إلى أنّ قطاع النقل في مصر يطلق كميات كبيرة من الغازات الدفيئة المسببة للتغير المناخي. 

لا بد من تطبيق العدالة المناخية

 

لكن تكمن المشكلة في أنّ التغير المناخي يهدد الحياة الاجتماعية للبشر، ما جعل المهتمين بالقضايا البيئية يطالبون بتطبيق ما يُعرف بـ “العدالة المناخية”. وهو مصطلح يشير إلى “ضرورة تحول مجرى الحديث عن التغير المناخي من غازات الاحتباس الحراري وذوبان الجليد، إلى حركة حقوق مدنية، لصالح المجتمعات الأكثر تضررًا من تأثيرات التغير المناخي”، وذلك بحسب مفهوم “ماري روبنسون”، رئيسة مجلس الحكماء في الأمم المتحدة (UN). 

 

وهذا يعني نقل مشكلات التغير المناخي من مجلس العلماء إلى ساحة العامة والقضاء، وربطها بحقوق الإنسان وتحقيق العدل بشأنها وكأنها قضية جماعية تطالب المتحكمين في الوقود الأحفوري بتعويضات وحلول للمشكلات الناتجة التي تعاني منها ليلى وغيرها من المواطنين. ومن هنا نشأ “مبدأ الملوث يدفع”، والذي يحتم على الفرد المسبب للتلوث بدفع تعويض عن الأضرار التي سببها. 

من أجل صحة المواطن

تروي غادة محمد*، وهي سيدة مصرية أربعينية، عن معاناتها مع عوادم السيارات، قائلة: “لا أستطيع التنفس من عوادم السيارات، وعندما أخرج إلى الشارع لفترة قصيرة، أعود إلى البيت متعبة بسبب استنشاقي للعوادم”.

وتُضيف غادة: “أنا من الناس اللي الدكاترة بيحذروني أخرج كتير للجو الملوث”. وتشتكي من الأعراض التي تشعر بها أثناء وجودها في أماكن ترتفع فيها كميات كبيرة من عوادم السيارات، خاصة في ظل ارتفاع درجات الحرارة الملحوظة خلال السنوات الأخيرة.

ربما لا تعلم غادة أنّ تلك العوادم قاتلة، إذ تتأثر صحة المواطن المصري بسبب احتراق الوقود الأحفوري الذي لا يؤثر فقط على المناخ، بل يطلق أيضًا الكثير من الملوثات التي قد تسبب حالات وفاة مبكرة مثل: السكتة الدماغية واضطرابات في الجهاز التنفسي والنوبات القلبية والربو وغيرهم من الأمراض الكثيرة المنتشرة في مصر، والتي قد يكون نهاية الطريق فيها هو الموت. 

وفقًا لموقع (statista) كانت أمراض القلب والجهاز التنفسي من أبرز 10 أمراض مسببة للوفاة في مصر عام 2019. 

ويموت نحو 963 مواطنا من بين كل 100 ألف مواطن مصري سنويًا بسبب السكتة الدماغية، بحسب دراسة أجرتها مجموعة من الباحثين في جامعة عين شمس ونُشرت عام 2021 في دورية “كارجر” (Karger). 

وعلى الصعيد العالمي، أشارت دراسة من جامعة هارفارد عام 2021 إلى أنّ الوقود الأحفوري يتسبب في موت 1 من بين كل 5 أفراد حول العالم. (يا للهول!) 

ويُعلق الدكتور ياسر حسن إبراهيم، أستاذ كيمياء تلوث الهواء في المركز القومي للبحوث: “أي احتراق كامل أو غير كامل للوقود، يكون له أضرار على الصحة العامة”، ويتابع: “أول وثاني أكسيد الكربون من ضمن الانبعاثات، وأول أكسيد الكربون غاز اختناق يسبب ما يسمى بالموت الأحمر، فقد ثَبُت أنه يتحد مع هيموجلوبين الدم ويسبب تسممًا”.

الطاقة المتجددة.. ما مدى فعّاليتها في وسائل النقل؟

تحتل مصر المركز 27 بين أكثر دول العالم المنتجة للغازات الدفيئة، وفقًا لدراسة منشورة في سبتمبر عام 2020 في دورية “نيتشر” (Nature) العالمية، بقيادة الدكتورة لمياء عبدالله، تشير إلى أنه في عام 2018، قُدرت انبعاثات مصر من غاز ثاني أكسيد الكربون بنحو 250 مليون طن، وتذهب نسبة 40 % من هذا الانبعاثات إلى مجال الطاقة، منها 90 % تنبعث من خلال قطاع توليد الكهربائية المعتمدة على النفط والغاز الطبيعي، و10 % من مصادر الطاقة المتجددة والتي تشتمل على: الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الكهرومائية. 

عند حساب نسبة انبعاثات الطاقة المتجددة من الانبعاثات الكلية، نجد أنها تمثل 4 % فقط. إضافة إلى العديد من المميزات الأخرى. 

وهناك العديد من الخطط المستقبلية لتحل الطاقة المتجددة محل الوقود الأحفوري، وفي هذا الصدد، يقول الدكتور محمد الخياط، رئيس هيئة الطاقة المتجددة: “تتضمن الخطط المستقبلية لقطاع النقل في العديد من الدول من ضمنها مصر، زيادة الاعتماد على السيارات الكهربائية، وبالتالي، تقليل استهلاك الوقود الأحفوري، سواء البنزين أو السولار أو غيرهم من أنواع الوقود المستخدمة في تحريك المركبات”. 

أما عن خطة استخدام السيارات الكهربائية، فيشرح الدكتور محمد أنّ السيارات الكهربائية التي في الاستراتيجية، يجب أن يكون مصدر تغذيتها من الطاقة النظيفة، ويمكن تحويلها إلى مصدر للطاقة للقطاعات الأخرى، على سبيل المثال، يمكن استخدام البطارية في الأوقات التي لا يتم فيها قيادة السيارة كمصدر للطاقة في المنزل. 

تُعد الطاقة الناتجة عن مصادر الطاقة المتجددة مثل الشمس والرياح أقل تكلفة من طاقة الوقود الأحفوري، فيمكن لمشاريع الألواح الشمسية توليد طاقة بنصف تكلفة الوقود الأحفوري. من ناحية أخرى، الطاقة المتجددة أنظف بكثير من الوقود الأحفوري، ولا تسبب انبعاثات كثيرة في غاز ثاني أكسيد الكربون. لذلك، يدعو الجميع إلى الانتقال من استخدام الوقود الأحفوري إلى مصادر الطاقة المتجددة. 

وتتبنى مصر هذا الهدف أيضًا، ويقول الدكتور محمد: بدأت مصر في تبني استراتيجية عام 2008، تستهدف زيادة اعتماد الدولة على مصادر الطاقة المتجددة، وتطورت الاستراتيجية إلى وضع هدف إنتاج طاقة كهربائية، ومساهمة مصادر الطاقة المتجددة في إنتاج الطاقة الكهربائية بنسبة 20 % في عام 2022″. 

ويتابع: “إجمالي المتاح من مصادر الطاقة المتجددة حاليًا يبلغ نحو 6 آلاف ميجا واط، موزعة كالتالي: 50 % للطاقة المائية، 25 % لطاقة الرياح، 25 % الطاقة الشمسية”. وأشار الخيام إلى أنّ الاستراتيجية تستهدف أيضًا مضاعفة قدرات الطاقة المتجددة بحلول 2035، بحيث تصل نسبة الاعتماد عليها إلى 42 %. 

وصار استخدام الطاقة المتجددة أحد الوسائل الدفاعية ضد التغيرات المناخية، ويقول الدكتور محمد الخياط: “العمل على خفض انبعاثات الغازات الدفيئة مثل: غاز ثاني أكسيد الكربون وغاز أول أكسيد الكربون وأكاسيد الكبريت وأكاسيد النيتروجين والفلور والكلور والكربون، كل هذه الغازات، يتم العمل على خفض انبعاثاتها من خلال آليتين: ترشيد الاستهلاك الكهربائي وخفض البصمة الكربونية”، ويشرح أنّ ترشيد الاستهلاك الكهربائي، يقلل استخدام الغاز الطبيعي والفحم والمازوت. أما عن خفض البصمة الكربونية، فهذا يعتمد على توسع في استخدام الطاقة المتجددة بكافة أنواعها، وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، وكل كيلو وات ساعة من الطاقة المتجددة، يُوفر لنا قدر من الكربون. 

تلك هي الحلول التي تتيحها الطاقة المتجددة كما شرح الدكتور محمد الخياط، من ناحية أخرى، تحاول ليلى وغادة التكيف مع الظروف الراهنة والابتعاد عن أي مصدر لعوادم السيارات أو دخان المصانع، لكن لا مفر إلا بتحقيق عدالة مناخية، تضمن لهنَّ حياة اجتماعية أكثر صحة. 

 

 تم إعداد هذا التقرير ضمن مبادرة MediaLab Environment، مشروع للوكالة الفرنسية لتنمية الإعلام CFI

 

__________________________________ 

* اسم مستعار بناء على طلب صاحبه