للكهرباء النصيب الأكبر من الانبعاثات

ثلاثة أرباع الانبعاثات الكربونية المُتسببة في ظاهرة الاحتباس الحراري وتغير المناخ. تخرج من قطاع الطاقة في مصر. أكثر من (45%) من هذه الانبعاثات مصدره محطات توليد الكهرباء العاملة بمصر.

تتمثل غازات الاحتباس الحراري التي تسمى بالغازات الدفيئة في ثلاثة عناصر: ثاني أكسيد الكربون (CO2)، والميثان (CH4) وأكسيد النيتروز (N2O).

انبعاثات المنطقة العربية عام 2018 من الغازات الدفيئة الثلاث تصل لنحو 3 مليارات و939 مليون طن مكافئ، وتشارك مصر بنحو 329 مليون طن مكافئ أي ما يُقدّر بنسبة 8%.

تحتل المركز الثاني بعد السعودية عربيًا، والثالث بعد إيران في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والمركز الثاني والعشرين على مستوى العالم.

قامت معدا التحقيق بتحليل بيانات غازات الاحتباس الحراري الصادرة عن معهد الموارد العالمية Climate Watch، في الفترة بين 1990 حتى 2018 باعتبارها أحدث بيانات متوفرة، إضافة إلى البيانات الصادرة عن الشركة القابضة لكهرباء مصر.

تخلص تحليل البيانات إلى أن أكبر قطاع مُتسبب في الغازات الدفيئة هو قطاع الكهرباء وتحديداً محطات توليد الكهرباء العاملة على أرض مصر، التي تعتمد بشكل أساسي على الغاز الطبيعي أو المازوت أو السولار أو تجمع بين نوعين معًا فيما يعرف بمحطات الدورة المركبة.

تعمل في مصر 80 محطة كهرباء، وفقًا لتقرير الشركة القابضة لكهرباء مصر عام 2020 ـ 31% من هذه المحطات تعمل بالغاز الطبيعي إضافة إلى السولار بعدد 25 محطة، وربع هذه المحطات يعمل بالغاز الطبيعي والمازوت معًا (19 محطة)، و15% من المحطات تعمل بالسولار (12 محطة)، أما الغاز الطبيعي فقط فتعمل به (11) محطة، والمازوت فتعمل به محطة واحدة فقط، وهي محطة الوليدية الواقعة في محافظة أسيوط، والتي يشملها موضوع هذا التحقيق.

لا توجد في مصر سوى ثلاث محطات كهربائية تعمل بالرياح، ومحطتان شمسيتان، إضافة إلى محطة شمسية أخرى تعمل بالغاز الطبيعي، أما المحطات المائية فعددها ست محطات.

تملك مصر حوالي 59 ألفًا و500 ميجاوات من القدرات الاسمية لمحطات الكهرباء، وتعني القدرات الاسمية، تلك الإمكانية أو القدرات التي تستطيع تلك المحطات توليدها في حال عملها بسعتها القصوى.

(55%) من هذه القدرات تملكها محطات الدورة المركبة التي تعمل بالغاز الطبيعي، إضافة الى المازوت أو السولار، والثلث للمحطات البخارية 29%، أما المحطات الغازية نسبة قدراتها 7% فقط.

القدرات المتبقية تذهب لمحطات الطاقة المتجددة، رغم أنها الأقل تلويثًا للبيئة بنسبة 5% لمحطات طاقة الرياح، والطاقة الشمسية معًا، و5% للمحطات المائية.

يوجد ثلاثة أنواع من المحطات الحرارية؛ هي المحطات البخارية والمحطات الغازية ومحطات الدورة المركبة.

تعمل المحطات الغازية عن طريق حرق الغاز الطبيعي واستخدامه مباشرة في تحريك توربينات لتوليد الكهرباء، وتستخدم المحطات البخارية الطاقة الحرارية من حرق الوقود لإنتاج البخار كوسيط لتشغيل التوربينات.

أما محطات الدورة المركبة تستخدم الطريقتين معًا، حيث يتم حرق الغاز الطبيعي واستخدامه في توربينة غازية وعند خروجه يستغل حرارة العادم في إنتاج بخار لتشغيل التوربينات أيضًا.

وفقاً لآخر تقرير صادر عن الشركة القابضة لكهرباء مصر عام 2020، استخدمت المحطات الحرارية 30249 ألف طن معادل من الغاز، و1861 ألف طن معادل من المازوت، و23.5 ألف طن معادل من السولار.

في الفترة بين 2016 و2020 كان عام 2018 هو العام الأكبر من حيث استخدام الوقود في إنتاج الكهرباء فوصل لـ 37335 ألف طن، ثم تراجع المعدل في العامين التاليين، فوصل في 2020 إلى 32133 ألف طن معادل.

وقّعت مصر ثلاث اتفاقيات تغير المناخ، وهي: اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية في التاسع من يونيو لعام 1992، واتفاقية كيوتو في الخامس عشر من مارس لعام 1999، واتفاقية باريس في 2016.

لا تُلزم الاتفاقية أي دولة بكميات محددة من الانبعاثات، لكنها تُلزم كل الدول بتقديم "مساهمات قومية" لتخفيض الانبعاثات، وهو ما يعكس قدرات كل دولة ومسئوليتها.

لذلك فإن الحكومة المصرية تخطط لزيادة مساهمة الطاقة المتجددة في الكهرباء المولدة لتحقيق الهدف الوطني بالوصول لـ 20% عام 2022 من الطاقة المولدة من مصادر متجددة على مستوى الجمهورية و37% بحلول 2035، وذلك كخطة لخفض الانبعاثات الكربونية من المحطات الأخرى، وفقًا لتقرير الإبلاغ الوطني الأخير والأحدث لعام 2018.

وصل القدرات المركبة من الطاقات المتجددة من الحمل الأقصى للشبكة الكهربائية حتى الآن بلغت 20% وذلك وفقاً لبيان رسمي من وزارة الكهرباء.

يشير التقرير السنوي للشركة القابضة لكهرباء مصر لعام 2020، إلى أن إجمالي الطاقة الكهربائية المولدة على مستوى الجمهورية يصل لنحو 197357 جيجا وات/ ساعة، ونسبة الطاقة المولدة من المصادر المتجددة منها لا تتعدى الـ 4.4%، وحجم الطاقة المولدة من المحطات المائية 7.6%. وتسعى مصر حاليا لزيادة تلك الحصة لتقليل الانبعاثات الكربونية.

تحتل الانبعاثات الكربونية من قطاع الطاقة المتمثلة في ثاني أكسيد الكربون، وأكسيد النيتروز، والميثان المركز الأول، فتمثل ثلاثة أرباع (73%) الانبعاثات الكربونية في مصر سنة 2018، يليه قطاعي الصناعة والزراعة بنسبة 9% لكل منهم، ثم المخلفات بنسبة 8.5% وأخيرا الغابات بنسبة لا تتجاوز 0.05%.

تمثل الانبعاثات الكربونية من محطات توليد الكهرباء الكهرباء وحدها نحو 45% من الانبعاثات الكربونية في مجال الطاقة. يليها مجال النقل بنسبة 22% ثم مجال التصنيع 17% ثم مجال البناء بنسبة 7% والغازات المتسربة بنسبة 6%. أما احتراق أنواع أخرى من الوقود بنسبة 2% وأخيراً وقود السفن بنسبة 1%.

أما انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في مجال الطاقة تمثل 91% من إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في مصر، 48% منهم فقط ناتجة عن محطات توليد الكهرباء في مصر، يأتي بعد ذلك مجال النقل بنسبة 24% ثم مجال التصنيع بنسبة 18% ثم مجال البناء بنسبة 8%، وتتساوى نِسَب كل من وقود السفن والغازات المتسربة، وأنواع أخرى من الوقود بنسبة بواحد في المئة لكل منها.

الانبعاثات الكربونية التي تخرج من مصر بشكل عام تمثل حوالي 1% من انبعاثات العالم. وفي الفترة من 1990 حتى 2018 زادت الانبعاثات الكربونية في مصر بمعدل ثلاثة أضعاف المعدل العالمي (زادت في العالم بنسبة 50% وفي مصر بنسبة 155%). وفي الفترة بين 2010 و 2018 زادت الانبعاثات الكربونية في مصر بنسبة 19% حيث وصلت 329 مليون طن مكافئ.

وفي الفترة ما بين 1990 و2018 التي قامت معدا التحقيق بتحليل بياناتها، تشير إلى زيادة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في العالم بنسبة 81%، ولكن النسبة في مصر كانت أربع أضعاف النسبة العالمية خلال نفس الفترة فزادت بنسبة 329%.

تكلفة الكهرباء

وفقًا لورقة بحثية صادرة عن المبادرة المصرية للحقوق الشخصية (مؤسسة مجتمع مدني)، فإن توليد الكهرباء من المصادر المتجددة، مثل الطاقة الشمسية والرياح، هو ضمان أمن للبيئة وللحياة المجتمعية في مصر، نظرًا لانخفاض تكلفتها وأسعارها، وكذلك الأقل تلويثًا للبيئة.

وتؤكد الورقة أن التكلفة البيئية للمحطات العاملة بالبترول هي الأكبر، وتليها المحطات التي تستخدم الغاز الطبيعي، أما محطات الطاقة المتجددة (الشمس والرياح) فتكاد تنعدم تأثيراتها البيئية. ولتقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بمصر، فيجب التوسع والتوجه للطاقة المتجددة.

يقول د. ياسر حسن رئيس قسم بحوث تلوث الهواء بالمركز القومي للبحوث، إن أكثر أنواع المحطات الملوثة للبيئة والعاملة حاليا في مصر هو النوع الذي يستخدم المازوت والسولار، أما محطات الغاز الطبيعي الإنبعاثات التي تصدر عنها قليلة تكاد لا تُذكر.

يرى حسن أن استخدام الوقود في توليد الكهرباء مُضر بالصحة والبيئة لأن عادم الديزل يحتوى على أكثر من 40 نوع من ملوثات الهواء السامة، بما في ذلك العديد من المواد المسببة للسرطان المعروفة أو المشتبه بها، مثل البنزين والزرنيخ والفورمالديهايد. كما أنه يحتوي على ملوثات بيئية ضارة أخرى، بما في ذلك أكسيد النيتروجين، وهو حاليًا أهم انبعاثات مستنفدة لطبقة الأوزون.

يرى مارك سبخت، محلل للطاقة في برنامج المناخ والطاقة في اتحاد العلماء المهتمين(منظمة غير ربحية مقرها الولايات المتحدة)، أن الغاز الطبيعي ربما يكون أنظف من الفحم والوقود كونه ينتج انبعاثات أقل لغازات الاحتباس الحراري وتلوث الهواء ولكن مازال ملوث، كونه ينتج عنه أكاسيد النيتروجين والتي لا تسبب مشاكل في الجهاز التنفسي فحسب، بل تتفاعل أيضًا مع المواد الأخرى في الهواء لإنتاج الجسيمات الدقيقة، لذلك محطات توليد الكهرباء العاملة بالغاز الطبيعي لها تأثير كبير على المجتمعات التي تقع فيها.

يؤكد رئيس قسم بحوث تلوث الهواء ياسر حسن أن مصر قامت بالفعل بخطوات إيجابية على أرض الواقع فيما يخص توليد الكهرباء، فمعظم المحطات العاملة حاليا في مصر تعمل بالغاز الطبيعي وهو أقل تلويثاً للبيئة وحتى المحطات العاملة بالمازوت جرى تحويلها لتعمل بالغاز الطبيعي.

يرى محمد يونس، باحث في الكهرباء والبيئة بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، أن أكبر تهديد لاستخدام الغاز الطبيعي هو عملية التكسير باستعمال الكثير من المياه من خزانات المياه المحلية وتلويث مجاري المياه. كما أن حرق الغاز الطبيعي يؤدي أيضًا إلى إطلاق أول أكسيد الكربون وأكاسيد النيتروجين (NOx) وثاني أكسيد الكبريت (SO2).

يزيد على ذلك تأثير الأبخرة التي تنتج من محطات الكهرباء العاملة بالغاز، إذ يقول تقلل من جودة الأراضي الزراعية وكذلك الإنتاجية مما يتسبب في خسائر للفلاحين.

لذلك فإن توليد الكهرباء له فاتورة مجتمعية، يدفعها المواطنون من صحتهم كما هو الحال في منطقة الوليدية بأسيوط أو خسائرهم الإقتصادية في قرية أبو غالب بالجيزة.

بُني هذا الجزء من التحقيق على تحليل بيانات تقارير الشركة القابضة لكهرباء مصر في عام 2020، إضافة إلى بيانات صادرة عن معهد الموارد العالمية climate watch خلال الفترة 1990 حتى 2018.

القصة التالية