التغيرات المناخية.. كيف يؤدي ذوبان جليد القطبين إلى إصابتك بأمراض في بلدك؟

هل يمكن أن يكون للتغير المناخي في بلدٍ بعيد عنك تأثير على صحتك وأنت لم تُفارق مكانك؟ وما هي الأمراض التي تنتج عن الموجات الحارة والباردة التي تحدث في بلدك تحديدًا وفي العالم من حولك؟

الدراسات تؤكد أن التغيرات المناخية لها تأثيرات سلبية على الصحة العامة، قد تصل إلى حد الإصابة بأمراض خطرة تهدد الحياة، فما الذي يحدث؟ وما هي أصلًا التغيرات المناخية؟ وما هي أسبابها؟ ومن هم الفئات الأكثر عُرضة للإصابة بمضاعفاتها؟ وكيف نحمي أنفسنا وعالمنا من هذا الخطر؟

ما الذي تعنيه التغيرات المناخية؟

ملايين الناس حول العالم يعانون بالفعل التأثيرات الكارثية نتيجة لتفاقم التغيرات المناخية. وفي العام 2021 تحديدًا تسببت درجات الحرارة المرتفعة في موجات حارة في مناطق مختلفة من العالم، وكذلك حرائق الغابات؛ فمثلًا حدثت فياضانات شديدة في ألمانيا والصين، وفي مدغشقر أدى الجفاف المطوَّل والشديد إلى أول مجاعة ناجمة عن تغير المناخ.

ويتوقع الخبراء أن هذه التأثيرات سوف تستمر في التفاقم بمرور الوقت، كما يوضح الموقع الخاص بمنظمة العفو الدولية “Amnesty“.

فما هو سبب هذه التغيرات المناخية؟

الطبيعي أن المناخ في كوكب الأرض يتغير باستمرار مع اختلاف الأزمنة الجيولوجية، وتقلبات درجات الحرارة العالمية؛ ومع ذلك فإن هذه الفترة الحالية من الاحتباس الحراري تحدث بسرعة أكبر من أي أحداث سابقة.

وأصبح من الواضح أن البشرية هي المسئولة عن معظم الاحتباس الحراري، عن طريق حرق الوقود الأحفوري “النفط والغاز والفحم” وكذلك الزراعة، والتي تطلق الغازات الدفيئة “كالميثان وثاني أكسيد الكربون وأكسيد النيتروز” والتي تؤدي إلى رفع درجة حرارة الكوكب أو ما يعرف بالاحتباس الحراري، والذي يمثل مشكلة لأنه يحدث بمعدل أسرع من قدرة الكائنات – بما فيها الإنسان – على التكيف معه.

وهناك إجماع علمي ساحق على أن الاحتباس الحراري هو في الغالب من صنع الإنسان، كما تتابع “منظمة العفو الدولية”. وأحد أكبر الأسباب الرئيسية لهذا التغير المناخي هو حرق الوقود الأحفوري الذي تسبب في زيادة تركيزات الغازات الدفيئة مثل ثاني أكسيد الكربون، هذا إلى جانب أنشطة أخرى كتطهير الأراضي الزراعية.

عوامل أخرى تساهم في التغيرات المناخية، وهي وفقًا لموقع المفوضية الأوروبية “European Commission“:

  • إزالة الغابات: فالأشجار تساعد على تنظيم المناخ عن طريق امتصاصها لثاني أكسيد الكربون. وعندما تُقطع الأشجار، يُطلَق ثاني أكيد الكربون في الغلاف الجوي.
  • زيادة تربية الماشية: فالبقر والأغنام مثلًا تنتج كميات كبيرة من غاز الميثان عندما تهضم طعامها
  • الغازات المُفلورة: وهي الغازات المنبعثة من العديد من العمليات الصناعية، ورغم انبعاثها بكميات أقل، لكنها مؤثرة ويشار إليها على أنها غازات احتباس حراري ذات قدرة كامنة، كما يذكر موقع “ناسا بالعربي“.

 

وعمومًا فإن التغير المناخي لا يعني فقط ارتفاع درجة الحرارة، فبعض المناطق تصبح أبرد على المدى القصير.

هل يهمني تغير المناخ كمواطن عربي؟

وقد تتسائل بعد كل هذا، ما الذي يهمني كمواطن عربي من تغير المناخ؟ والإجابة هي أنه نتيجة للتغير المناخي، تنخفض إنتاجية المحاصيل الزراعية وجودتها، ما يؤدي إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية، كذلك يرتفع معدل الإصابة ببعض الأمراض. بعض الدراسات تُحذّر من نشوب حروب في المستقبل بسبب التغيرات المناخية، وذلك صراعًا على موارد المياه والغذاء والطاقة.

وفيما يتعلق بالصحة تُحذِّر منظمة الصحة العالمية من تأثير التغير المناخي على صحة الأفراد بطرق مختلفة؛ فهو يمثيل تهديدًا على المواد الغذائية ومصادر المياه والهواء النظيف؛ والدول التي تعاني ضعف البنية التحية الصحية، هي الأقل قدرة على التأقلم مع هذه التحديات بدون مساعدة للاستعداد والاستجابة لها.

كيف تؤثر التغيرات المناخية على صحتك؟

كما عرفنا فإن التغيرات المناخية تؤثر في جودة الغذاء والهواء والموارد المائية، ما ينتج عنها زيادة خطر الإصابة ببعض الأمراض، مثل:

  • الربو 

التغيرات المناخية تؤثر في جودة الهواء بسبب زيادة مستوى الملوثات والأوزون. وتقول منظمة الصحة العالمية أنه نتيجة لتغير المناخ بشكل أساسي على مدار الـ130 عامًا الماضية، ارتفعت درجة حرارة العالم بحوالي 0.85 درجة مئوية.

ونيجة لهذا يصبح تلوث الهواء مشكلة أكبر بالنسبة للمصابين بالربو، بما يشمل آلام الصدر والسعال وتهيج الحلق والاحتقان؛ كما تؤثر الملوثات في وظائف الرئة وتسبب التهابًا فيها.

  • الأمراض المرتبطة بالحرارة

الموجات الحارة الشديدة أصبحت أكثر شيوعًا في السنوات الأخيرة، حتى إن الأعوام الـ16 الماضية كانت الأكثر حرارة على خلال الـ17 عامًا الماضية.

وبهذا تزداد الإصابة بالأمراض المرتبطة بالحرارة مثل الإنهاك الحراري وضربات الشمس.

ويُعرف الإنهاك الحراري هو حالة من التعرق بغزارة وزيادة معدل ضربات القلب، أما التشنجات الحرارية فهي نوبات تستمر لبضعة دقائق وهي أكثر شيوعًا لدى الأطفال.

  • الحساسية 

الحساسية الموسمية هي واحدة من النتائج الأقل شهرة لتغير المناخ. فارتفاع درجات الحرارة ومستويات ثاني أكسيد الكربون لها تأثير كبير في النباتات وحبوب اللقاح، التي تسبب أعراض الحساسية الموسمية الشائعة؛ فالنباتات التي تسبب حُمى القش في الربيع والصيف وأوائل الخريف ستزدهر لفترة أطول نتيجة لارتفاع درجات الحرارة، وفقًا لمعاهد الصحة الوطنية بالولايات المتحدة.

  • أمراض القلب والأوعية الدموية 

ارتفاع  أو انخفاض درجات الحرارة بصورة كبيرة، يمكن أن يؤدي إلى ظروف تمثل إجهادًا على النظام القلبي الوعائي؛ ما يزيد خطر الإصابة بالنوبات القلبية والسكتات الدماغية وغيرها من أمراض القلب والأوعية الدموية.

كذلك فإن الدخان والضباب المنبعثان من حرائق الغابات والمواد الكيميائية السامة الناتجة عن الدخان تعتبر ضارة بالقلب و نظام الأوعية الدموية؛ حيث يمكن لها أن تُنشِّط نظام التخثر “التجلط” وانقباض الأوعية الدموية.

  • الصحة النفسية والعقلية 

يصبح لارتفاع درجة الحرارة تأثيرات سلبية في الصحة النفسية والعقلية، حيث تزيد معدلات الاكتئاب وغيره من مشاكل الصحة النفسية؛ وفقًا لمركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها “CDC”.

درجات الحرارة الشديدة يمكن أن تغير من طريقة عمل بعض الأدوية في الجسم، مثل أدوية الفُصام؛ كما تؤثر على قدرة الأفراد على تنظيم درجة حرارة أجسادهم بشكل صحيح.

من هم الفئات الأكثر عُرضة للإصابة؟

ويصبح بعض الأفراد أكثر عرضة للإصابة بالمشاكل الصحية التي تسببها التغيرات المناخية، ومن هذه الفئات:

  • الأطفال: وتحديدًا الأطفال الأكثر عرضة للإنهاك الحراري والجفاف والأكثر حساسية لتلوث الهواء؛ وذلك لأن أجهزة الأطفال المناعية لم يكتمل نموها بعدُ ما يجعلهم احتمالية إصابتهم بالعدوى أكبر.
  • كِبار السن والمصابون بأمراض مزمنة أو الماصبون بحالة طبية موجودة مُسبقًا: فهم أكثر عرضة للجفاف والإنهاك الحراري والعدوى وتفاقم أمراض القلب والرئة.
  • السيدات الحوامل: حيث تزداد احتمالية إصابتهن بالإنهاك الحراري خلال الموجات الحارة؛ كما تصبح الأجنة داخل أرحامهن أكثر عرضة لتلوث الهواء.
  • الأشخاص الذين يعيشون في المناطق النائية أو ذوي الدخل المنخفض: وذلك نتيجة لعدم المساواة في الرعاية الصحية الأساسية التي يتلقونها.
  • الأفراد الذين يعيشون في المناطق الحضرية: حيث ترتفع درجات الحرارة ويصبح المناخ أكثر دفئًا، مقارنة بالمناطق ذات المباني الأقل.

هكذا تحافظ على صحتك في الموجات الحارة

الموجات الحارة أصبحت أكثر سخونة كما تستمر لفترة أطول، ولكن يمكن تقليل آثارها السلبية من خلال:

  • تناول الكثير من المياه
  • البقاء في مكان بارد
  • عدم الخروج من المنزل إلا للضرورة
  • ارتداء ملابس مناسبة 
  • تناول وجبات خفيفة مثل السلطة
  • الاستحمام بماء بارد 

وفي الموجات الباردة حافظ على صحتك باتباع ما يلي:

  • الحفاظ على رطوبة جسمك وتناول ما يكفي من المياه حتى لا تصاب بالجفاف
  • ارتداء ملابس مناسبة 
  • البقاء داخل المنزل قدر الإمكان
  • تناول المشروبات الدافئة بانتظام 
  • ممارسة النشاط البدني أو بعض التمارين لتشعر بالدفء
  • تناول طعام صحي غني بفيتامين “C” والخضراوات الورقية والفواكه الطازجة وأحماض أوميجا 3، وذلك لتقوية المناعة

كيف تقلل مساهمتك في التغير المناخي؟

لا تقلل من قيمة الدور الذي يمكنك فعله لمقاومة التأثير السلبي للتغير المناخي، فإذا أجرى كل منا تغييرًا بسيطًا، سيُحدث ذلك فرقًا كبيرًا.

وهناك بعض الأشياء البسيطة التي يمكنك فعلها لإنقاذ العالم مثل:

  • ممارسة المشي أو ركوب الدراجة بدلًا من الانتقال بالسيارة؛ فبالإضافة إلى مقاومتهما للتغير المناخي فإنهما وسيلتان لمحاربة السمنة والسكري وأمراض القلب وبعض أنواع السرطان وأمراض الجهاز العضلي الهيكلي، كهشاشة العظام والتهاب المفاصل الروماتويدي.
  • تقليل الاعتماد على السيارة الخاصة والانتقال بالمواصلات العامة، فذلك سيقلل من انبعاث الغاز وتحسين جودة الهواء، إلى جانب خفض معدلات سرطان الرئة ومشاكل الرئة الأخرى وأمراض القلب والسكتات الدماغية.
  • اتباع نظام غذائي غني بالأطعمة النباتية مثل الفواكه والخضراوات والمسكرات والبذور والحبوب الكاملة؛ مع تقليل استهلاك الأطعمة ذات المصدر الحيواني.
  • تقليل استهلاك الأطعمة المُصنعة والتي تستهلك الكثير من الطاقة لإنتاجها وعادة ما تكون مُعبئة، ما يساهم في زيادة مكب النفايات. كما أن الأطعمة المصنعة تحتوي على كميات كبيرة من الدهون المشبعة والسكر والملح، ما يجعلها ضارة صحيًّا.
  • تناول مياه الصنبور – إذا كانت صالحة للشرب – فهو خيار أفضل من المياه المُعبأة أو المشروبات المُحلاة، سواء لصحتك أو للبيئة.

في النهاية، صحيح أن تغير المناخ هو ظاهرة عالمية لها العديد من الآثار السلبية على مختلف نواحي حياتنا، لكن معرفتك بأضرارها سيساعدك على اتخاذ الإجراءات الصحية اللازمة لتخفيف هذه الأضرار، أو أن تتخذ بعض الخطوات لتساهم بنفسك في تقليل هذه الظاهرة.

 


المصادر: