“مهنة اجبارية”.. كيف تضيف التغيرات المناخية أعباء زائدة على نساء مصر؟

ساعتان يوميا، هي المدة التي تقطعها نحمده الشحات (55 عاما) مشيًا على الأقدام من قرية الدهسة الواقعة بمركز فرشوط بمحافظة قنا إلى قرى مجاورة برفقة نساء القرية لملء دُلِيّ المياه لعائلتها من أجل الحصول على مياه صالحة للشرب.

اعتادت نساء القرية الخروج فجرًا بحثًا عن المياه منذ نشأة القرية في القرن الماضي، كما تحكي نحمده لنا، فجمع وتوفير المياه هي وظيفة النساء في القرية؛ مهنة ورثتها نحمده من الأم والجدة منذ زمن طويل. 

نحمده ليست الوحيدة، فحالها لا يختلف عن مليون و 181 ألف مصري لا تصلهم مياه الشرب وفقا للتقرير السنوي لجهاز تنظيم مياه الشرب والصرف الصحي 2018.

نحمده التي تشكو من “الدوالي” وألم مستمر في سيقانها بسبب المسافات الطويلة التي تقطعها، لا تستطيع إعلان رفضها للبحث اليومي عن الماء، لأنه لا يوجد بديل لها في العائلة، حيث فقدت ابنتها الكبري منذ خمس سنوات أثناء ملئها للمياه أيضا. على الطريق الواصل بين قريتي الدهسة والعركي، صدمت سيارة ابنتها وهربت، ابنتها الأخرى نزحت مع زوجها إلى القاهرة بحثًا عن فرصة عمل أفضل للزوج الذي جفت أرضه بسبب استمرار نقص مياه الري عنه.

يظهر تحليل البيانات للتقارير السنوية الصادرة عن جهاز تنظيم مياه الشرب زيادة عدد المصريين الذين لا تصلهم مياه صالحة للشرب خمس مرات بين 2010 و 2018، وكذلك زيادة عدد السكان المخدومين بنظام المناوبات، أي أن المياه تصل لهم لساعات محددة في اليوم، إلى تسع مرات في نفس الفترة الزمنية.

 

وفقا لتقرير صادر عن الأمم المتحدة، تتحمل النساء والفتيات عبء جلب المياه لأسرهن ويقضين فترات طويلة يوميا في نقل المياه من مصادر بعيدة. نادرا ما تكون المياه من مصادر بعيدة غير كافية لتلبية احتياجات الأسرة وغالًبا ما تكون ملوثة.

فقط في أفريقيا ، يتجاوز الوقت الذي تقضيه النساء والفتيات في البحث عن المياه 40 مليار ساعة في السنة. هذه هي الساعات الضائعة التي كان من الممكن استثمارها في العمل أو المدرسة أو المنزل أو المجتمع، أو في تنمية قدراتهم الشخصية وصحتهن أو آفاقهم مستقبلهن. 

وتعاني مصر من أزمة مائية حادة، إذ انخفض نصيب الفرد من الموارد المائية من 2526 متر مكعب في عام 1947 إلى أقل من 700 متر مكعب عام 2013، إلى 500 مكعب في 2021، وهو أقل من خط الفقر المائي الذي قدرته الأمم المتحدة بـ 1000 متر مكعب سنويا للفرد الواحد.

وفقا لأستاذ الجغرافيا البيئية د. عادل معتمد، فإن التغيرات المناخية لها الدور الأكبر في نقص المياه بسبب انخفاض وانحباس كميات الأمطار في مصر، في وقت يعد مصدر المياه الأساسي للمنطقة هو الأمطار أو نهر النيل. 

أما في حالة اللجوء إلى المياه الجوفية والآبار للشرب والري، فإن كثافة الاعتماد عليها والوصول إلى مرحلة استنزاف الكميات المتوفرة من الماء الجوفى، تؤدي إلى استفحال الأزمة وليس حلها، خاصة أن المخزون الجوفي مرتبط بكمية الهطول المطري، ولا يتجدد في ظل تراجع الأمطار كما هو الحال بالواحات الخارجة والداخلة بصحراء مصر الغربية. ويشكل الازدياد السكاني عاملاً آخر من عوامل الأزمة المائية بدرجة لا تفي معها المياه المتاحة لسد احتياجات جميع السكان.

تختلف مصادر المياه في مصر، ولكن المصدر الرئيسي والأكبر هو نهر النيل بحصة ثابتة بين 2012 و 2019، وهي 55.5 مليار متر مكعب سنويا وبنسبة 69% من إجمالي الموارد المائية في مصر، يليه إعادة استخدام مياه الصرف الصحي والصناعي بنسبة 17% وما يساوي 13.6 مليار متر مكعب سنويا. هناك مصادر أخرى مثل المياه الجوفية والأمطار ولكن بنسبة ضئيلة وذلك وفقا للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء.

تقول د. هبه مفتاح، أستاذ الموارد المائية بجامعة الأزهر، على الرغم من أن الآثار المترتبة على التغيرات المناخية تصيب سكان المناطق المتضررة جميعهم، إلا أن النساء والفتيات يتحملن جزءاً كبيرا من تلك التبعات وخاصة فى المناطق الريفية التي تتدنى فيها مستويات الخدمات والمرافق الأساسية حيث يكون لزاما عليهن توفير مياه الشرب في معظم الحالات، وخاصة فى المجتمعات التى تتعرض لفقد الكثير من أعضاء عائلاتها من الذكور،  وذلك نتيجة الهجرة بحثا عن فرص عمل فى مناطق أخرى أقل تضرراً.

 وترى مفتاح أن المشكلة تظهر درجة أوضح فى المجتمعات الريفية والبدوية التي تشارك المرأة فيها الرجال فى أعمال الزراعة والرعي.

 

عاملات الزراعة ونقص المياه

كانت ست أبوها شحاتة، عاملة زراعية، تتقاضى 40 جنيهًا كيومية مقابل عملها في الأراضي الزراعية، ولكن بعدما أصاب الجفاف قرى محافظة الفيوم، نقص أجرها للنصف، وفي أحيان كثيرة تقضي موسم كامل بدون عمل. 

تقول “ست أبوها”: “أعمل في الأرض منذ عشرين عاماً، لم أر في حياتي مثل هذه السنوات، أصاب الجفاف أشجار الزيتون بالمحافظة وهجرها الفلاحون إلى المدينة بحثًا عن فرص عمل، ولم يعد لنا عمل بسبب جفاف وبوار الأراضي، حتى أشجار الزيتون الذي تشتهر به المحافظة جفت منذ سنوات، فلم يعد لدينا عمل، وفي حال وجوده، يتحكم ملاك الأراضي بنا ويقللون اليومية جراء خسارتهم”.

Credit: Chrouq Ghonim سيدات تجمع المحاصيل الزراعية في مصر
Credit: Chrouq Ghonim سيدات تجمع المحاصيل الزراعية في مصر

تعاني أراضٍ الفيوم من من تملح شديد، حيث تؤكد دراسة للباحث رأفت علي، رئيس قسم التربة واستخدامات المياه، بالمركز القومي للبحوث، أن حوالي 54.15٪ من الأراضي بمحافظة الفيوم تعاني من التصحر بسبب ملوحة التربة، والصوديوم. وكذلك لأسباب أخرى مثل ارتفاع درجات الحرارة ونقص المياه، والري بمياه الصرف الصحي.

يقول شاكر أبو المعاطي، رئيس قسم الأرصاد الجوية، في تصريحات صحفية سابقة له، إن إنتاج الزيتون هبط بحوالي 80% في موسم الحصاد العام السابق بسبب تغير المناخ، إذ بلغ محصول الزيتون المحلي في عام 2020 نحو 497 ألف طن، فيما يتراوح محصول عام 2021 حوالي 100 ألف طن حتى الآن.

وفقا لمعهد الشرق الأوسط للدراسات فإنه من المحتمل أن تكون تأثيرات تغير المناخ على الزراعة في مصر كبيرة، وستؤثر على ملايين النساء المصريات اللائي يعتمدن على هذا النشاط الاقتصادي في كسب عيشهن. حيث يهيمن على قطاع العمالة الزراعية ما يزيد عن 55% من النساء، وهو قطاع معروف بدخله المنخفض وغير المستقر. 

وذكر التقرير أن ملايين المصريات الريفيات العاملات في الزراعة تعاني من الفقر بالفعل، وسيزيد تغير المناخ الأمور سوءًا.

يقول د. عادل معتمد إن هناك تداخل كبير بين جملة التأثيرات التي تتركها التغيرات المناخية على العاملات في قطاع الزراعة، حيث تتداخل التأثيرات الاجتماعية والمادية مع التأثيرات النفسية لتلك الفئة من النساء.

فعلى المستوى المادي يظهر العجز في توفير مصدر الدخل الذي يعتمدن عليه في إعالة أنفسهن وذويهن، وفي حالة اشتداد وطأة التغيرات المناخية وخاصة في أوقات انحباس الأمطار وسيطرة الجفاف يضطررن إلى الهجرة تاركين مواطنهن بحثا عن ظروف بيئية أقل قسوة، وهو ما يصاحبه ويترتب عليه تأثيرات نفسية كبيرة من مشاعر الاغتراب.

Credit: Chrouq Ghonim عاملات الزراعة في مصر يجمعن المحاصيل في الصباح الباكر
Credit: Chrouq Ghonim عاملات الزراعة في مصر يجمعن المحاصيل في الصباح الباكر

يرى رضا الدنبوقي، مدير مركز المرأة للإرشاد والتوعية القانونية، أن تغير المناخ يتقاطع مع أشكال عدم المساواة الأخرى التي تتعرض لها النساء والفتيات، مثل ترك التعليم إما بسبب الهجرة البيئية أو الزواج المبكر. ويتسبب في زيادتها والوقوف أمام حل أزمات الفتيات والنساء مثل الزواج المبكر للمشاركة في الحياة الاجتماعية.

ويؤكد أن أوجه عدم المساواة بين الجنسين تزيد من المبالغة بسبب الأخطار المتعلقة بالمناخ، إذ تؤدي إلى زيادة أعباء العمل على النساء، والمخاطر المهنية في الداخل والخارج، والضغط النفسي والعاطفي، وارتفاع معدل الوفيات مقارنة بالرجال.

قصتا نحمده وست أبوها ليستا سوى قصتين من ملايين قصص النساء المصريات اللاتي أجبرهن التغير المناخي وأزمة نقص المياه في مصر إلى أداء مهن إضافية، بسبب أنهن نساء فقط.

تم إعداد هذا التقرير ضمن مبادرة MediaLab Environment، مشروع للوكالة الفرنسية لتنمية الإعلام CFI